الحرائق في سورية: بين رماد الطبيعة ولهيب السياسة

  • الرئيسية
  • الحرائق في سورية: بين رماد الطبيعة ولهيب السياسة
الحرائق في سورية: بين رماد الطبيعة ولهيب السياسة

الحرائق في سورية: بين رماد الطبيعة ولهيب السياسة

في وطن يشتعل فيه الألم، لا تأتي الحرائق من الطبيعة وحدها، بل من أوجاع الناس التي تراكمت بصمت. اشتعال الغابات ما هو إلا صورة مصغرة لفقدان الاتزان، لحياة خرجت عن طبيعتها، وغدت ضجيجاً لا يهدأ. ومع كل لهب يطفأ، تتسلل رغبة خافتة في الإصلاح، كأن الوطن يحاول أن يرمم جراحه من بين الرماد، ليقول: ما زالت الحياة تستحق.
- واقع الحرائق: أرقام ودلالات
وفق وزارة الطوارئ السورية، شهدت البلاد أكثر من 4000 حريق خلال ثلاثة أشهر فقط، منها 441 حريقاً حراجياً وزراعياً في اللاذقية وحدها. هذه الأرقام تعكس ليس فقط هشاشة البنية البيئية، بل أيضاً ضعف البنية التحتية للاستجابة السريعة، وسط تضاريس جبلية معقدة، وغياب خطوط النار، ومخلفات الحرب التي تعيق فرق الإطفاء.
تقرير منظمة SARD أشار إلى أن أكثر من 10 آلاف هكتار من الغابات تحولت إلى رماد، ما يمثل 3% من إجمالي الغطاء الحرجي في سورية، مع نزوح أكثر من 1120 شخصاً من قرى متضررة.
الأسباب: مناخ، إهمال، وتخريب
* المناخ المتطرف: ارتفاع درجات الحرارة، الجفاف، والرياح النشطة ساهمت في توسع رقعة النيران .
* العوامل البشرية: من إشعال النيران غير المنضبط إلى التخريب المتعمد، مروراً بسوء إدارة الموارد الحراجية.
* مخلفات الحرب: الألغام والذخائر غير المنفجرة تعيق الوصول وتعرض فرق الإطفاء للخطر.
دراسات تحليلية واستراتيجيات وطنية:
* دراسة من جامعة دمشق استخدمت طريقة التحليل الهرمي (AHP) لتحديد أفضل استراتيجية لإدارة الحرائق، وخلصت إلى ضرورة تخصيص الميزانيات للوقاية والتخطيط المسبق، وإنشاء منصات مراقبة وإنذار مبكر.
* دراسة أخرى من المجلس العلمي السوري أوصت باستخدام صور الأقمار الصناعية وتقنيات التصوير الطيفي لرصد البؤر الساخنة وتقييم الأضرار .
* وزارة الزراعة وضعت خطة وطنية لحماية الغابات تشمل فتح خطوط نار، تجهيز المناهل، وتدريب فرق التدخل السريع.
ما الذي يجب فعله؟
* إصلاح التشريعات: فرض عقوبات صارمة على المتسببين بالحرائق، خاصة المفتعلة منها.
* تمكين المجتمعات المحلية: تشكيل فرق تطوعية مدربة على الإطفاء والإنذار المبكر.
* التعاون الدولي: كما حدث مع فرق أردنية وتركية ولبنانية، يجب توسيع الدعم الإقليمي.
* إعادة تأهيل الغابات: بزراعة أنواع محلية مقاومة للحرائق، وتحسين خصوبة التربة.
من الرماد إلى الأمل:
لقد مضت شهور من التحولات، بدت أحياناً متخبطة، لكنها كانت تحمل بذور التغيير. سورية اليوم تتلمّس طريقها نحو حوار سياسي واقتصادي أكثر انفتاحاً، وواقع اجتماعي يعيد اكتشاف التضامن والانتماء.
ورغم الأعباء المعيشية، فإن شعلة الطيبين لا تنطفئ. الحرائق تطفأ بالعزيمة، والأمل يزرع في أرض أنهكها التعب. ومن يشعل النار في الطبيعة، أو يعمد إلى تخريبها، لا يعبث فقط بالبيئة، بل يعتدي على وطن أخضر يعانق الروح.
ويبقى السؤال معلقاً: ماذا سنزرع في الغد؟ وكيف نحمل نوراً صغيراً ليضيء عتمة السنوات؟

 

دانيا النابلسي، باحثة سورية في العلوم السياسية والعلاقات الاقتصادية الدولية.