في المجتمعات التي تثقلها الأزمات، وتنهكها الحروب، وتبعثر أحلام أهلها، تظل المرأة الحاضرة الأكثر صلابة واتصالاً بنبض الحياة. ليست مجرد رقم في إحصاءات الاستجابة الإنسانية، ولا هامشاً في خطط التنمية، بل هي روح المجتمع الذي ينهض بها أو يسقط حين تقصى. حين يتراجع دور الدولة وتتلاشى مؤسسات الرعاية، تكون المرأة هي الجهة غير الرسمية التي تدير الأزمة بصبر وتجريب، وهي من تحمل المسؤوليات المتعددة بلا تردد، فتتابع الأطفال، وتؤمن احتياجات الأسرة، وتحافظ على البيت، وتسند من تبقى فيه، وكل ذلك غالباً بصمت لا يرصد عدسته الإعلام.
ليست المرأة فقط من يربي، من يوجه ويعالج ويقوم، هي أول من يتأثر عند غياب الدعم، وآخر من يغادر مشهد الصمود. في سياقات اللجوء والنزوح، هي التي تتعامل مع تغير أدوارها وتحولها من معيلة مشتركة إلى ربة أسرة تتحمل العبء بالكامل. تغدو المنسقة بين الاحتياجات والمساعدات، والمترجمة لاحتياجات الأسرة في برامج لم تصمم خصيصاً لها. ورغم كل هذا، تظلل مشهد المساعدة الإنسانية بمواقف تستدعي إعادة النظر، حيث تُستبعد المرأة أحياناً من تصميم الاستجابة أو يحصر دورها في تلقي المساعدات بدلاً من صياغتها.
التمكين في هذه الحالة لا يتوقف عند شعار أو دورة تدريبية، بل يبدأ من الاعتراف بحجم الدور الذي تقوم به المرأة في الحياة اليومية، في إدارة الموارد القليلة، في التوفيق بين احتياجات الأطفال والمدارس والغذاء والدواء، وفي التصدي للمواقف الحرجة دون توجيه مسبق أو دعم مؤسساتي. هذا التمكين يجب أن يصمم خصيصاً لما تواجهه، لا لما يُفترض أن تواجهه نظرياً. فالواقع أعقد، والمرأة في مناطق النزاع لا تطالب بالفرص فقط، بل بحقها في أن تكون جزء من آلية الإنقاذ نفسها.
على الصعيد التنموي، لا يمكن فصل المرأة عن مفاهيم الاستدامة والبناء، فهي ليست فاعلاً مكملاً، بل عنصراً مؤسساً في إعادة تشكيل المجتمعات. حين يعاد تأهيل النساء اقتصادياً ومجتمعياً، تصبح الأسر أكثر استقراراً، والتعليم أكثر انتظاماً، والصحة أكثر حضوراً. تمكينها يشمل توفير أدوات تعكس واقعها من "تدريب مرن، منصات آمنة للتعبير، دعم قانوني ونفسي، والمشاركة في صنع القرار داخل مؤسسات الإغاثة، لا فقط عبر استمارة استبيان".
المرأة ليست ضحية يُرثى لها، بل طرف مؤثر وصانع للفرق. ومتى مُنحت الأدوات المناسبة، تتحول من متلقية للنجدة إلى شريكة في تخطيطها، من باحثة عن مأوى إلى من تُحدد معايير الأمان، ومن مهمشة في التقارير إلى من تكتب وقائعها بنفسها. لا يمكن لمنظومة إنسانية أن تكون منصفة أو فعالة ما لم تضع المرأة في قلب الاستجابة، لا على هوامشها
مسؤولة مكتب الدراسات والأبحاث
في مؤسسة الماسة للإغاثة والتنمية
الأستاذة دانيا عبد الغني النابلسي