أين سورية؟ بين لقمة العيش ومشاريع الفن

أين سورية؟ بين لقمة العيش ومشاريع الفن

أين سورية؟ بين لقمة العيش ومشاريع الفن

 

في الشرق العربي تُكتب الحكايات بأكثر من لغة لكن الفرق بين اللغات لا يُقارن بالفرق بين الأولويات ففي الوقت الذي تُعيد فيه سورية ترتيب أحلامها على مقاسات - الخبز والكهرباء والماء - تسير دول أخرى نحو بناء أحلامها على أوتار الموسيقى وألوان الفن وتفاصيل الجمال

الفجيرة المدينة الإماراتية الصغيرة تقدم نموذجاً حضرياً يجسد هذا التحول.
(طريق الموسيقى) ليس مجرد مشروع تجميلي بل رؤية متكاملة لحياة تُدار بجمالية على امتداد 750 متراً يمر العابرون بين أعمدة تحمل آلات موسيقية عملاقة أضواء تنبض بإيقاع هادئ ورسائل محفزة تخلق علاقة وجدانية بين الإنسان والمدينة إنها مدينة تُعيد تعريف العلاقة بين المكان والذاكرة بين الفن والتخطيط المدني
في المقابل سورية تصارع من أجل البقاء المواطن السوري لا يخطط ليومه انطلاقاً من الحُلم بل من الضرورة.الكهرباء تقطع بشكل دوري الماء يوزع على دفعات والخبز مشروط بالوقوف في طوابير حتى التعبير الشعبي "لقمة العيش تحول إلى قاعدة حياتية العائلة تقاسم جارتها لقمة العيش ويصبح التكافل الشعبي بديلاً عن غياب السياسات الفعالة
المفارقة ليست فقط في درجة الرفاهية بل في نوع الخطاب السائد في الإمارات تُدار المدن بمصطلحات مثل الإبداع الاستدامة-السعادة بينما في سورية تُدار الأزمات بمفردات مثل التقنين- التقشف- الصمود وبينما تُصمم الدول الأخرى لحظات الإحساس تنشغل سورية بلحظات النجاة
لكن هذه المقارنة لا تهدف إلى جلد الواقع، بل إلى إضاءة احتمالاته فالتاريخ لا يُعيد نفسه لكنه يُعطي فرصة للتغيير والمجتمعات التي عاشت تحت الركام كانت أكثر من كتب الشعر رسم الأحلام وغنّى من قلب الألم وربما آن الأوان لسورية أن تبدأ التفكير في معنى الثقافة من جديد، ليس ترف بل أداة للشفاء الاجتماعي ولإعادة تشكيل العلاقة بين المواطن والدولة
الفن لا يُنتَج في غياب الخبز لكنه يُنتَج حين يُدرك المجتمع أن الخبز وحده لا يكفي والموسيقى لا تُعزَف في الظلام لكنها تُعزَف حين نقرر أن النور ليس كهرباء فقط، بل فكرة ونغمة وتعاون
لذا فإن إعادة بناء سورية لا تتطلب فقط إعادة الإعمار الإسمنتي بل إعادة الإعمار النفسي والثقافي من مدرسة تُدرّس الفن إلى شارع يُعرض فيه المسرح، إلى حملة تُحفّز الإبداع المحلي… 
هكذا تبدأ المجتمعات رحلتها من لقمة العيش إلى لحظة الإحساس
                         دانيا عبد الغني النابلسي 
                   مسؤولة  قسم الدراسات والأبحاث 
                  في مؤسسة الماسة للإغاثة والتنمية